الأخبار |
|
الرئيسية المؤسسون |
تناقلت أخبارنا المحلية الأسبوع الماضي، ضبط مسروقات كبيرة جداً من القطع النقدية والفضية التي تعود إلى حقب مختلفة من الفترة اليونانية وخلالها حتى فترات أخرى لاحقة.. وكانت هذه الآثار في طريقها إلى الخارج لولا أن الضابطة الجمركية قد أوقفتها وصادرتها في منطقة أفاميا وقلعة المضيق اللتين عانتا جداً من سرقة آثارهما والمتاجرة بها، وتسرّب تلك المسروقات وغيرها إلى الأسواق والمتاحف الخارجية أو الحيازة الشخصية.
إن آثار الأمم جزء من تاريخها ومنجزاتها الحضارية ولذا كان الاهتمام بها وحفظها وصيانتها: واجباً وطنياً وقومياً لأن التاريخ بالمحصلة هو تعبير عن الوطن ومنجزات إبداعه حقبة إثر أخرى.
وليس جديداً القول: إن سورية مهد الحضارات وإن ما تبقى أو اكتشف من آثارها، هو الإطار الأساسي لتاريخها الحضاري، يتضافر مع مدوناته ليشكل في النتيجة الصورة الحية لهذا التاريخ وإسهاماته اللامحدودة في التاريخ والحضارة الإنسانية إن لم يكن هو فعلاً: مهد ذلك التاريخ وتجسيداته الإبداعية.
ومع أن الحفاظ على آثارنا هو من البديهيات التي لا تقبل النقاش.. فقد كان اهتمامنا بها، وإعطاؤها حقها لا يرقيان إلى مستوى قيمتها التاريخية والحضارية، ومدلولاتها التي بقيت عنصراً فعالاً وأساسياً في مسيرة التطور الإنساني.
وعدا عن غياب الكثير من الآثار وملحقاتها في متاحف العالم أو بين أيدي تجار وسماسرة الآثار في المنطقة وفي الفضاء الدولي: فإن ذلك التاريخ.قد فقد جزءاً من مدوناته ومجسماته، إذ بدلاً من أن تبقى تلك الآثار في الأرض التي أبدعته: صارت نهباً للصوص وتجار الآثار، وغدت معلماً في المتاحف الأجنبية، فسلب الوطن كثيراً من مدلولاته الإبداعية التي هي في الأساس إبداع إنساني أثرى الحضارة البشرية.
وزيادة على أن عشرات التماثيل والقطع المنهوبة من بلادنا والمعروض الكثير منها في متاحف العالم الأجنبي: فإن آلية صيانتها وحفظها عندنا: لم ترق إلى مستوى قيمتها الفنية الحضارية حتى إننا في معظم مناطقنا، لم نطور تلك الآليات وظلت حراستها محدودة الفعالية إزاء الجشع المحلي والأجنبي لإخراجها من بلادنا.
وقد تحدثت في مرة سابقة عن تمثال نصفي لهنيبعل قرطاجة: كان ملقى على رصيف أحد شوارع اللاذقية أوائل الخمسينيات، وإنني بعد فترة عقدين من الزمان: رأيته في متحف اللوفر بباريس مع تمثال كامل لأدونيس الإله وعشرات القطع الفنية السورية!! فكيف وصل التمثال إلى هناك؟! وهل كانت يقظتنا على مستوى قيمتها الفنية ودلالاتها التاريخية؟؟!!
وهذا هو العراق بعد احتلاله، يفقد أهم آثاره ومنجزاته الحضارية في التاريخ الإنساني التي غادرت أرض الرافدين لتستقر في الأسواق الخارجية الأجنبية!!
إن سلب وسرقة آثارنا هو إساءة بالغة لتاريخنا الإبداعي، وإفقاد هذه الأرض أهم رموزها الفنية التاريخية.
أما عن الأعمدة الرخامية الأثرية وتيجانها، وغيرها من القطع الفنية.فالحديث يطول!!! إذ اغتنى تجار الآثار من ورائها وأسهموا كما أسهمت غفلتنا في خسراننا قطعاً أثرية فنية: تحفظها الأمم وتصونها كما يصان بؤبؤ العين!!
ولئن قلنا إن الجهات المعنية تسعى جهدها لتطوير آليات الحراسة والحماية للآثار.. فإن تلك الآلية لم ترق إلى المستوى والضرورة المطلوبين.. ومازال ينقصنا الكثير الكثير من هذه الآليات ومن حملات التوعية التي يجب توافرها لتبيان قيمة تلك الآثار وأهميتها.. صحيح أن المديرية العامة للآثار تبذل جهدها لكن وسائلها وإمكاناتها لا تتيح لها النهوض بذل العبء وحدها كي تحد من تلك الظاهرة وتتخلص منها.
إن هذا الواجب الوطني ليس منوطاً بمديرية الآثار وحدها «وزارة الثقافة»، بل هو مسؤولية جميع الجهات الرسمية ذات العلاقة، لأن في هذا تقديساً للوطن وحفاظاً على ملامحه الإبداعية الفنية..
وإذا كانت فروع هذه المديرية منتشرة في محافظات القطر، فإن قدرتها ولو بالكادر البشري، مازالت محدودة، ناهيك بوجوب تطوير هذه القدرة بالآلات الفنية وكاميرات التصوير وزيادة العناصر البشرية المؤهلة لهذه الغاية.
من هنا كان تضافر الجهود واجباً ومن قبل وزارتي الثقافة والداخلية لتأهيل كادر بشري من الشرطة المدربة لا يقتصر عملها على فترة دوام نصف نهارية، ولا بد أيضاً أن ترفد جهود هاتين الوزارتين بتعاون وزارات السياحة والإدارة المحلية والمالية «الجمارك» والإعلام لإغناء تلك الخطوات وزيادة مفعولها.لذلك لا بد من إنشاء جهاز بشري مؤهل بما في ذلك زيادة أعداد شرطة الآثار وحراستها عن طريق دورات تدريبية تأهيلية ترفع مستواه الفني وترسخ لديه الحرص على هذه الآثار وحمايتها.
ما بدأنا به جزء مما يحصل لآثارنا... لذلك فقد آن الأوان أن نطور آلية حمايتها واستمرار مراقبتها في مناطقنا الأثرية لصيانتها من عبث العابثين الذين يؤذون بتصرفاتهم هذه في النهب والسطو الوطن وتاريخه وحضارته في آن واحد.
صحيفة الثورة - الخميس 23 رمضان 1434هـ - 2 أيلول 2010م - العدد: 14313
عدد المشاهدات: 3673 |